جبريل والنبي: حكاية تجسد الملاك جبريل في صورة دحية الكلبي ولقائه النبي محمد في مسجد في يثرب

  • 3 years ago
من هم الملائكة؟ وكيف يمكن تعريفهم ووصفهم؟
تتمحور وظيفة الملائكة الأولى حول أنهم رسل إلى رسل الله وهناك وظائف أخرى كنفخ الروح في الأجنّة، مراقبة أعمال البشر، المحافظة عليهم، قبض أرواحهم... وهم غير مرئيون، مخلوقون من نور، فيما الجن من نار، والإنسان من طين. ومن صفاتهم الطاعة المطلقة لله، وهم ليسوا إناثاً كما يذكر الله في القرآن الكريم، ولا يتناسلون ولا يتناكحون. ومن صفاتهم القوى الخارقة التي يتمتعون بها، ومنها حمل العرش، وقلب الأرض عاليها سافلها كما في قصة النبي لوط... يؤمن بهم المسلمون إيماناً غيبياً مستنداً إلى اليقين الإخباري، أي إلى ما جاء في القرآن والحديث، اذ لا اتصال حسياً بين البشر والملائكة بشكل عام. ولكن الملائكة كما ينبؤنا القرآن في أكثر من موضع، يتمثلون بأشكال بشرية معروفة وغير معروفة. وقد تمثل الملاك لمريم العذراء "بشراً سويا"، كما جاء في القرآن الكريم. وتجسدوا لابراهيم بقوم زاروه، وقدم إليهم عجلا سميناً ليأكلوا، فلم يفعلوا، وبشروه، كما تذكر الآية "بغلام عليم". مع النبي لوط تجسدوا بشباب فائقي الجمال، ومع النبي داود تجسدوا بشخصين متخاصمين. وهناك رواية عن تجسد الملاك جبريل، الشهير بحمل الوحي إلى النبي محمد بصورة رجل يدعى دحية الكلبي. والله يقول في سورة الأنعام: "ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون". أي أن الإلتباس حاصل في تحول جبريل إلى ملاك لدى البشر. وهذا يفتح نقاشاً حول ماهية مصير الملاك السماوي حينما يتحول إلى رجل (بشري)، وهل يظل في الآن عينه، سماوياً وبشرياً؟ أم انه يظل بشرياً إلى النهاية ويخسر قدرته على العودة إلى السماء؟
هذه الأسئلة المثيرة يطرحها الباحث العراقي فاضل الربيعي في كتابه "جبريل والنبي" والذي يفتح فيه ابواب النقاش التاريخي والعلمي حول صدقية المرويات الإسلامية حول هذه المسألة، وإمكانية التحقق منها، وفرز ما هو تاريخي مما هو اسطوري.
ينقل الربيعي عن الطبري تفسير عائشة لآية "فكان قاب قوسين أو أدنى"، بأن النبي رأى جبريل، "وله ستمئة جناح مزينة بالياقوت والجواهر والذهب". وهكذا انتقلت إلى المسلمين عبر الروايات المنقولة إلى النبي أن جبريل هو في الآن عينه، ملاك، وطائر ورجل. وقد تحدث النبي في حديث ينقله الطبري عن لقائه لجبريل في صورته السماوية في اليوم التالي للإسراء: "رأيت جبريل عند سدرة المنتهى له ست مئة جناح". ثم هناك رواية أخرى شهيرة عن حضور جبريل إلى مسجد النبي في يثرب، قادماً من سفر طويل، من دون أن تتسخ ثيابه أو يعلو وجهه الغبار، وفوق ذلك بدا نظيفاً ناصع البياض، ثيابه بيضاء وحصانه أبيض كما يصور في كل المرويات، واتجه صوب النبي وجالسه "ركبته إلى ركبته". وهذه الرواية يقول الربيعي عنها إنها مجرد اسطورة، إذ لم يعثر في خلال بحثه الطويل في المراجع على ما يثبت وجود شخصية دحية الكلبي الذي تجسد به جبريل ودخل على النبي في المسجد.
في الخلاصة، يظهر لنا أن مسألة تجسد الملائكة في صورة البشر لم تكن مسألة محسومة، على الأقل من منظار تاريخي، في الإسلام. لكن بالمعنى اللاهوتي، الملائكة يتجسدون، وقد سبق وتجسدوا في أكثر من موضع يذكرها القرآن. أما مسألة تجسد جبريل بشخصية دحية الكلبي، فتلك رواية يؤكد فاضل الربيعي أن لا سند تاريخياً لها، وأن دحية الكلبي شخصية غير موجودة، "وقد تكون من تلفيق رواة العصر ا

Recommended